احمد مدكور ..
صفعة مصرية للتهجير.. وغزة ليست للأخذ والرد
في تصريحاتٍ استفزازيةٍ جديدة، تعيد إلى الأذهان أجواء النكبة وتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه عام ١٩٤٨، يطلّ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بمقترحٍ غير إنساني ولا أخلاقي، يدعو إلى "التهجير القسري" لأهل قطاع غزة. تصريحاتٌ لا تمتّ للحقّ أو للقانون الدولي بصلة، بل هي استمرارٌ لخطابٍ عنصريّ يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية جغرافيا وديموغرافيا، وتجاهلٌ صارخ لإرادة الحياة والصمود التي يمتلكها شعبٌ رفض الزوال لعقود.
صُمود في وجه الطرح: الموقف المصري المشرف
في موقفٍ واضحٍ وحاسم، وقف الجانب المصري، حكومةً وشعبًا، سدًّا منيعًا في وجه هذه الفكرة الخطيرة. لم تكن اللغة الدبلوماسية الرسمية لتخفي حدة الرفض المصري القاطع، الذي عبّر عنه أعلى مستوى في الدولة. لقد أكدت مصر، بكلّ حزم، أن "قطاع غزة أرض فلسطينية"، وأن "تهجير أهلها غير مقبول، ولن يحدث"، مجددةً رفضها لأي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الدول المجاورة.
هذا الموقف ليس جديدًا على مصر، ذات التاريخ النضاليّ والعروبة الأصيلة، التي كانت ولا تزال حاضنةً للقضية الفلسطينية، وداعمةً لحقوق شعبها المشروعة في إقامة دولته المستقلة. إنه موقفٌ يتسق مع ثوابت السياسة المصرية، ويترجم إرادة الشعب المصري الذي يرى في القضية الفلسطينية قضيته المركزية، ويرفض أن تكون أرضه بديلاً عن أرض فلسطين، أو أن يكون أمنه الوطني على حساب حقّ شقيقٍ له في العيش بكرامة على أرضه.
التهجير جريمة.. والصمت تواطؤ
لا يمكن تمرير دعوات التهجير القسري تحت أي مبررٍ كان. فبحسب القانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف، يُعدّ التهجير القسري للسكان جريمة حرب، وليس مجرد رأيٍ سياسيٍ يمكن مناقشته. إنها سياسة تطهير عرقيّ صريحة، تهدف إلى تغيير الواقع الديموغرافي للأرض المحتلة، وتمهّد لضمّها بشكلٍ غير قانوني.
لقد آن الأوان لأن تقف المجتمع الدولي، بكلّ مؤسساته وهيئاته، ليس فقط لرفض هذه الدعوات، بل لمحاسبة ومقاطعة كلّ من يسوّق لها أو يدعمها. الصمت عليها هو تواطؤٌ مباشرٌ مع جريمةٍ ترتكب في وضح النهار، وتشجيعٌ لدولة الاحتلال على المضي قدمًا في انتهاكاتها التي لا تعدّ ولا تحصى.
خاتمة: غزة باقية.. والإرادة لا تُهجّر
شعب غزة، الذي تحمّل سنواتٍ من الحصار غير القانوني، ووقف صامدًا أمام آلة حربٍ مدمرة، ليس سلعةً أو مجموعة بشرية يمكن ترحيلها من أرضٍ إلى أخرى. إنه شعبٌ له جذورٌ ضاربةٌ في عمق التاريخ، وله حقٌ مقدسٌ في أرضه ووطنه.
الموقف المصري المشرف هو انعكاسٌ لإرادة الأمة جمعاء، ورسالةٌ واضحةٌ مفادها أن على أهل غزة أن يعودوا إلى ديارهم الأصلية التي هُجّروا منها، وليس أن يُهجّروا مرةً أخرى. غزة لن تُهجّر، وإرادة أهلها في البقاء هي أقوى من كلّ دبابةٍ وأعتى من كلّ قذيفة. التاريخ لن يرحم من يحاولون دفن الحقّ الفلسطيني، والشعب الفلسطيني، بشهدائه وصامديه، هو من سيكتب الفصل الأخير من هذه الملحمة.