بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر
رئيس قسم الأدب ✍🏻
يا من تقرأ هذه السطور ، أحب أن أخبرك أن الحُبّ ليس إلا أن تختلف وتغضب وأنت آمن من الفراق .
هذه الكلمات ليست مجرد كلمات عابره ، بل
" مانيفستو ثوري " ضدّ فكرة الحب الوردية الهشّة ! إنها تُعلن حقيقةً جريئة :
الخلاف والغضب ليسا دليل فشل العلاقة ، بل قد يكونان برهاناً على صحّتها ، شرط أن يكون الطرفان مطمئنَّي القلب إلى أن هذه العاصفة لن تقتلع جذور الوجود المشترك.
فالحب الحقيقي لا يُقاس بغياب النزاع ، بل بقدرته على احتواء هذا النزاع . إنه الفرق الجوهري بين علاقةٍ قائمة على الخوف من الانهيار ، فتتجنب الصدق كي "لا تنكسر" ، وعلاقةٍ قائمة على ثقةٍ متجذرةٍ في الأعماق ، فتتجرأ على المواجهة لأنها تعلم أن الجذور أعمق من أن تقتلعها ريح كلمات غاضبة .
الأمان من الفراق هنا ليس ضماناً مطلقاً ، بل هو الثقة المتبادلة بأن قيمة "نحن" أكبر من أي خلاف .
هذه الثقة هي التي تمنح الخصام طعماً "عذباً"، لأن هدفه ليس الإيذاء أو الانتصار ، بل الفهم والتواصل.
💧فماذا يعني أن ترى الحب "جميلاً في كل الظروف ؟
إنه القدرة على رؤية الجوهر الثابت تحت ركام المشاعر المتقلبة . في لحظة الغضب ، لا تختفي صورة الإنسان الذي تحب ، ولا تُنسى سنوات التفاهم. في قلب العاصفة ، تظل هناك مساحة لوعيٍ خافت يقول : "هذا الذي أمامي ليس عدواً ، بل شريكي في رحلةٍ وعثرتُها جزء من طبيعتها" .
هذا هو الجمال الذي لا يتلاشى : جمال الالتزام الذي يرفض الهروب عند أول صعوبة ، جمال الصدق الذي لا يخشى التعبير عن الغضب ، لأنه يعلم أن القبول غير مشروط ، وجمال النضج العاطفي الذي يفهم أن الإنسان كتلة من التناقضات ، وأن الحب الحقيقي يحضن هذه الكتلة بكامل تعقيدها ، لا صورة مثالية منها.
هذه الرؤية ترفض ثقافة "الكمال الزائف" التي تروج لها قصص الخيال . الحب ليس جنة خالية من الصراخ ، بل هو سفينة تبحر في بحر هائج ، وربّانها الثقة ، ومرساتها الأمان .
الخلافات حينئذٍ ليست كارثة ، بل هي موجات تنظّح الشراع وتُظهر مهارة الربّانين في إدارة الأزمات . الغضب ليس ناراً تحرق كل شيء ، بل هو حرارة تُذيب الجليد الذي قد يتراكم على القلوب من كتمان المشاعر.
لذلك ، لا تخدعك علاقات الصمت القاتل والابتسامات المصطنعة خوفاً من "إثارة المشاكل" فهي غالباً قبور للمشاعر الحقيقية. الأصعب والأجمل ، هو بناء علاقة تكون فيها حرّية التعبير ، حتى عن السخط ، دليلاً على قوة الرابطة لا ضعفها .
أن تغضب وأنت تعلم أن غضبك لن يُترجم إلى هجر أو انتقام ، بل إلى محاولة للفهم ، هذا هو الترف الحقيقي في العلاقات الإنسانية. أن تختلف دون أن تسمع صرخة "إذا كنتِ لا تحبينني كما أنا فليكن الفراق !"، بل تسمع همساً : "أخبرني أكثر عما يؤلمك ، لنصلح هذا معاً" .
🩸فليكن حبّنا شجاعاً ..
شجاعاً في الصراحة حتى لو جرحت ،
شجاعاً في الغضب دون أن نكسر القلوب ،
شجاعاً في الاختلاف دون أن نخشى الفقدان .
لأن الحب الذي لا يتحمل غضبنا ، لا يستحق هدوءنا ، والذي لا يرى جمالنا في عراكنا ، لا يرانا في سكينتنا .
فالحب الحقيقي ليس جبناً من المواجهة ، بل شجاعة في العاصفة مع يقين أن المرفأ آمن .. وأن اليد التي نختلف معها اليوم ، هي نفسها التي سنعبر بها صعاب الغد ، لأن الفراق لم ولن يكون في قاموسنا .
سنلتقى إن كان فى العمر بقيه